الثلاثاء ٤ آب، ٢٠٢٠ ينشُر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت مقالة تحليلية شارك فيها عدد من الخبراء في السياسات العامّة وشؤون اللاجئين حول ورقة “السياسة العامّة لعودة النازحين إلى سوريا” التي أقرّتها الحكومة اللبنانية في ١٤ تموز ٢٠٢٠ مُقدمة
د. ناصر ياسين مُدير معهد عصام فارس بالوكالة ومُنسّق مبادرة الجامعة الأميركية للّاجئين AUB4Refugees Initiative بعد طول انتظار ومرور أكثر من ٩ سنوات على وصول أوّل مَجموعات وعوائل اللّاجئين السوريين إلى لبنان هربًا من البطش والحرب، أصدرت الحكومة اللّبنانية ورقة سياسات أطلقت عليها “السياسة العامّة لعودة النازحين إلى سوريا” هي الأولى التي تُقارب قضيّة اللجوء السوري في لبنان، إذا استثنينا الإجراءات المتفرّقة والمُصاغة بالقطعة خلال الأعوام التسع الفائتة وأسّسها النظرة الأمنيّة لملف اللجوء. أتَت هذه الورقة، أو الخطة، المُفترض مقاربتها لقضية أمست من أكبر أزمات اللجوء في العالم وبالطبع في لبنان يشوبها كثير من الأمور في منهجية وضعها، بشكلٍ مُقارباتها وبالمضمون. في منهجية وضعها، غاب كثيرون من أصحاب العلاقة عن عملية استيلادها، فلا ممثلين عن المجتمع المدني اللبناني الناشط في الاستجابة لتأثيرات الأزمة شاركوا في نقاش بُنودها وتوجهاتها ناهيك عن مُمثلي مجتمع اللاجئين، ولا يبدو أن المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال في البلدين استؤنست لإبداء آرائها عند صياغة مَبادئ الخطة وهذه المُشاركة لو وجدت ليست انتقاص لسيادة لبنان بل هي من أسس العمل التعاوني والتضامن المطلوب لحل هذه الأزمة. أما مُقاربات الورقة فمبنية على افتراضات عدة لعلّ أهمها وأخطرها أن ظروف عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم أصبحت مؤاتية فلا ينقص قطار العودة، حسب الورقة، إلا التنسيق بين حكومتين وأمور لوجستية أخرى، وفي ذلك تبسيط مهوّل لوضع عسير وشائك إن على المُستوى الأمني والخوف من الملاحقات داخل سوريا في غياب مسار سياسي جدي أو لجهة الانهيار الاقتصادي الحاصل في سوريا مسابقًا انهيار الاقتصاد اللبناني. هنا لا تختلف فرضية الخطة مع ما طرحته روسيا كمبادرة لعودة اللاجئين منذ عامين والتي انتهت بإخفاق. من ناحية المضمون، وهذا ما تضيئ عليه إسهامات الزميلات والزملاء، ففيها ما يستدعي النقد في جدواها والتيقظ مما قد تحمله هذه الخطة من تسرّع في تصوراتها وخطورة في بعض جوانبها من ناحية إمكانية اعادة للاجئين بشكلٍ قسري او من جهة تضييق مساحة عمل المُجتمع المدني سياسة العودة: التأرجح بين السياسة واللاسياسة د. خليل جبارة، أستاذ في الشؤون الإدارية والاقتصاد السياسي والتنمية المحليّة والسياسات العامّة، وزميل باحث في السياسات في معهد عصام فارس امتازت أزمة النزوح السوري التي يعاني منها لبنان منذ عام ٢٠١١ بغياب استراتيجيّة وطنية واضحة مُتكاملة تعمل على مُعالجة جذور هذه الأزمة أو بالحد الأدنى التخفيف من تداعياتها. انقسم لبنان الرسمي بتكويناته الطائفية والحزبية المتعددة حول طريقة التعاطي مع هذه الأزمة بالرغم من مُبادرات ومحاولات عديدة لإيجاد قواسم أو عناوين مُشتركة لكيفية تعاطي مؤسسات الدولة الرسمية من سلطات مركزية ولامركزية مع موجات نزوح تخطّى عددها المليون شخص. وكأنّ هذا الانقسام هو نتيجة طبيعية لانقسام اللبنانيين حول الأزمة السورية منذ شهر آذار ٢٠١١ وموجات النزوح التي شهدها لبنان هي أحد مخرجات هذه الأزمة. هذا الانقسام العَمودي في مقاربة هذا الملف انعكس على العلاقة مع المُجتمع الدولي والدول المانحة وقد ظهر هذا الانقسام عدّة مرات خلال مُشاركة وفود رسمية لبنانية في مؤتمرات دوليّة. حتى الأرقام التي استعملت بالأدبيّات الرسمية على مدار السنوات الماضية حول حجم الأزمة وتداعياتها الاقتصادية كانت مضخمة ولم تفرّق بين التداعيات الاقتصادية للأزمة السورية على لبنان وتداعيات أزمة النزوح عليه. لم تجد مُحاولة استحداث وزارة دولة متخصصة في هذا الملف وبتشكيل لجان وزارية وأخرى تقنية على مدار الحكومات السابقة إلى إحداث أي خرق نوعي يفرض بوضع هذه الأزمة على سكة المعالجة. بناءً على ما ورد يمكن توصيف سياسة لبنان تجاه أزمة النزوح السوري منذ العام ٢٠١١ حتى شهر تموز ٢٠٢٠ على أنّها سياسة الاستمرار (The Policy is not to have a policy) بعدم وجود سياسة أتى تبنّي مجلس الوزراء اقتراح وزارة الشؤون الاجتماعيّة “لورقة السياسة العامّة لعودة النازحين” خارج السياق العام في لبنان المثقل بهُموم اقتصادية واجتماعية ومالية. ارتكزت هذه الورقة العامة على فرضيتين. الفرضية الأولى هي إلتزام وتشجيع النظام السوري على عودة النازحين بينما الفرضية الثانية هي جهوزية البنية التحتيّة في سوريا لاستقبال وإيواء النازحين العائدين. وتمّ البناء على هذه الفرضيتين من خلال زيارة وزير الشؤون الاجتماعية إلى سوريا في آذار ٢٠٢٠. لم يتم تحديث هذه الورقة أو إعادة النظر بهتين الفرضيتين للأخذ بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية في سوريا وتدهور سعر العملة السوريّة أو تداعيات قانون قيصر وجائحة كورونا وفرض النظام السوري على كل عائد استبدال ١٠٠ دولار عند كل معبر حدودي تقترح ورقة السياسة العامّة لعودة النازحين بعض التدابير التي تنظم وضع النازحين السوريين في لبنان تمهيدًا لعودتهم إلى بلادهم. الإجراء الأساسي المُقترح هو تعداد شامل للنازحين الموجودين على الأراضي اللبنانية عبر الطلب منهم الحضور لتسجيل أسمائهم في مراكز معيّنة. بعد تسجيل النازحين لأنفسهم، سيتثنى لهم الحصول على بطاقة إثبات وجود تسمح لهم بالتنقل على الأراضي اللبنانية على أن يتمّ بناء منصّة إلكترونيّة تحوي جميع البيانات والمعلومات المتعلّقة بالنازحين. وتطلب وزارة الشؤون الاجتماعية في الورقة التي أعدّتها ووافق عليها مجلس الوزراء بحَصر إدارة هذا الملف بوزارة الشؤون الاجتماعية على أن تُنشئ الوزارة إدارة مؤقتة لإدارته. لم تقدِّم هذه الورقة أيضًا إجراءات جديدة لمُعالجة هذا الملف بل أعادت إحياء أفكار تمّت مُناقشتها بإسهاب على مدار السنوات الماضية وفي اللجان الوزارية المختلفة التي شُكّلت منذ العام ٢٠١١. بعض هذه الإجراءات تمّ طرحها كأفكار خلال مُشاركة وفود لبنانية رسمية في مؤتمرات دوليّة تُعنى بأزمة النزوح السوري لا تأخذ هذه الورقة بعين الاعتبار صعوبة الجهد البشري والتقني ذو الكلفة العالية لتنفيذ عملية المسح وإصدار بطاقات إثبات وجود. فالوجود السوري في لبنان تغّير على مدار السنوات الماضية وتنقَّل بكثرة بين المناطق اللبنانية. إن تنفيذ هذه الإجراءات بحاحة إلى مدّة زمنية طويلة ولا يمكن البدء بها في ظلّ أزمة كورونا التي تفترض مواجهته التباعد الاجتماعي والحدّ من الانتقال السؤال الذي يُطرح: هل باستطاعة إدارة مؤقتة القيام بتنفيذ هذه الإجراءات وهل ممكن حصر الملف بوزارة معيّنة كما نصّت عليه هذه الورقة، بينما أكثرية الإجراءات هي من صلاحية البلديات والأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية والبلديات؟ ماذا عن تكلفة هذه الإجراءات؟ أخيرًا هل باستطاعة الحكومة تمويلها من خلال الموازنة العامّة أم ستبحث عن تمويل خارجي من قبل مانحين مع العلم بأن إعداد هذه الخطة لم يتم بشكلٍ تشاركي مع جميع المعنيين بهذا الملف من منظمات محلية ودولية. عودة “النازحين” إلى سوريا: الديبلوماسيّة اللبنانيّة المُصادَرة زياد الصائغ، خبير في السياسات العامّة وزميل باحث في السياسات في معهد عصام فارس لم تُشِر ورقة “السياسة العامة لعودة النازحين إلى سوريا” بأيّ شكلٍ من الأشكال إلى دور الديبلوماسيّة اللبنانيّة في تثبيت حقّ العودة للنازحين، الذي دونَه معوّقات قانونيّة وأمنيّة واقتصاديّة – اجتماعيّة باتت واضحة المعالم في خلفيّاتها، وفي هوية المتحكِّم بها. يكفي في هذا السياق التنبّه إلى منع عودة ٣٠٠ ألف “نازح” سوري إلى القلمون الغربي، والزبداني، والقُصير، وهنا بيت قَصيد التغيُّب الأول للديبلوماسيّة اللبنانيّة عن الاضطلاع بدورها في الضغط باتجاه تفكيك مضامين المنع، والذي يحمل مؤشّراتٍ خطيرة في أيّ حال يجب استعادة السِّمات التي حكَمَت منذ العام ٢٠١١ تعاطي الديبلوماسيّة اللبنانيّة مع أزمة “النازحين من سوريا”، فإذا هي قائمةٌ على الاستجداء التمويليّ، والتهويل التخوينيّ، والاستنفار الشعبويّ، والتبسيط التسطيحيّ. لكلٍّ من هذه السّمات دوره في البناء على فرضيّة أنّ ثمّة مؤامرة كونيّة لتوطين النازحين من سوريا في لبنان، مُرورًا بالاستثمار الانتخابيّ للقِوى السياسيّة في فرضيّة هذه المؤامرة، خلوصًا إلى الاستنتاج بأنّ الوضع سليمٌ في سوريا والعودة آمنة من ممرّ التطبيع مع الدولة السوريّة (النظام) وما ورد بعد تسعة أعوام في هذه “السياسة العامة لعودة النازحين” ينساق للمنطق ذاته، ويبلوِر السِّمات التي ذكرنا في النهج عينه من ناحية، مع تفادي مقاربة مسار ديبلوماسيّ بالتعاون مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن من ناحية أُخرى مع قصر التعاون معهما على المستوى الإنساني غابت الديبلوماسيّة اللبنانيّة ولم تزل عن مسار جنيف، وطلبت متأخّرة أن تكون عضوًا مراقِبًا في مسار أستانة، هلَّلت فولكلوريًّا للمبادرة الروسيّة لإعادة النازحين، رفعت بطاقة حمراء مزوّرة بوجه المؤسّسات الأمميّة، وامتنعت عن التصويب على من وما يُعيق العودة الديبلوماسيّة اللبنانيّة مصادَرة، ويقتضي تحريرها مع موجب تثبيت حق العودة لـ”النازحين” من سوريا بقرارٍ أُمميّ في مجلس الأمن، والضغط من خلال هذا القرار على المعوِّقات والمُعيقين، وتوفير ضمانات أمميّة وقانونيّة واقتصاديّة – اجتماعيّة للعائدين تحت مظلةِ الأمم المتحدة. الارتجال التقديري والتخطيطي والعملاني والتقييمي يتجاهل في هذه الورقة منهجيّة سياسة خارجيّة فاعلة تحمي حقوق النازحين ولبنان على حدّ سواء شُكوك حول آليات التطبيق وفق المعايير الدوليّة لحماية حقوق الإنسان جورج غالي، منظّمة ألف – تحرّك من أجل حقوق الانسان ارتكزت خطوة وزارة الشؤون الاجتماعية لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا على عدّة مرتكزات، منها مبني على قواعد ركيكة قانونيًا أو تطبيقيًا. غابت عن هذه الخطة التزامات وأسُس حقوقية وسياساتية تجعل من هذه الخطة موقفًا أكثر من أن تكون قابلة للتطبيق في ظلّ الواقع الحالي اعتمدت خطة إعادة اللاجئين على تعداد السوريين في لبنان بعد مرور حوالي عشر سنوات على بدء الأزمة وبعد الضغط على الهيئات الأمميّة بوقف عمليات التسجيل. فمن ناحية اختارت الحكومات اللبنانية المُتعاقبة سياسات التعتيم على الأرقام والتحديثات حول تطور الأزمة وبدأنا الدخول حينها ببازار الأرقام للدلالة على “الخطر القادم” أو “أوهام للحفاظ على الهوية”. بالرغم من هذا لم يستثنِ أحدًا دقة الأزمة وحجمها ومدى تأثيرها على المُجتمع اللبناني، فهناك توازن حذر بين “الخطر الكياني” من جهة وإنكار الأثر الديموغرافي من ناحية أخرى في حين تعلن وزارة الشؤون الاجتماعية النيّة بتعداد اللاجئين تفتح بالتالي بَصيص أمَل حول إصلاح مَسار تطوير سياسات اللّجوء في لبنان. ولكن لم تُشر الخطة إلى نيّة استخدام هذا التعداد للتأثير على أسُس بناء السياسات العامّة من ناحية البراهين والأرقام (السياسة القائمة على الأدلّة). يصطدم مشروع التعداد بعوائق عديدة أهمّها عائق أخلاقي وآخر تقني من الناحية الأخلاقيّة مهمّة وزارة الشؤون ليست بسيطة ولا تنحصر بالعامل الفني فحسب. فهناك عوامل أخلاقيّة تتناسى الخطة ذكرها أو تقديم ضمانات بتحقيقها. أهم هذه المعايير هو بناء الثقة التي فُقدت في السلطات اللّبنانية عبر سنين اللجوء. فاختارت الحكومات المُتتالية التعاطي مع المجتمع النازح من خلال العين الأمنية (على الرغم من فشل هذا المنحى خلال الخمسينيات) وحصرت العلاقة مع المُجتمع النازح بالمؤسسات الأمنية من مخابرات الجيش والأمن العام. إن بناء الثقة سيكون من العوامل الأصعب تجاوزها. المشكلة في هذا الموضوع أن الحكومة اللبنانية قد اختارت عامل الردع والتخويف من أجل “تشجيع” السوريين على المُشاركة في عملية التعداد. فبناء الثقة (ركيزة أي تعداد) يترافق مع معايير أخلاقيّة أخرى مثل ضمان حماية وسرّية المعلومات الخاصّة والشخصيّة . بالنسبة إلى مئات الآلاف من اللاجئين في لبنان يُعدّ الوصول إلى المعلومات حول حقوقهم والتحكّم في بياناتهم الشخصيّة أمرًا حاسمًا لقدرتهم على تقييم المخاطر. فإن الوزارة تطلب من اللاجئين، عبر هذه الخطّة، تقديم كميات كبيرة من المعلومات الشخصية في ظلّ غياب أي تطمين أو ضمانات حول حماية البيانات الخاصّة بهم. في غياب الضمانات الواضحة تكون المعلومات حول هؤلاء اللاجئين في خطر، كما أن خسارة أو سرقة أو إساءة استخدام عن قصد أو عن غير قصد هذه المعلومات تهدّد حياة هؤلاء الأفراد. إنّ علاقة القوّة بين الوزارة من جهة واللّاجئين من جهة أخرى بالإضافة إلى رادع الترحيل يُعيق الحصول على موافقة مُستنيرة طوعية فعليًا. لذلك، إنّ الخطوة الأساسية قبل أي عملية تعداد تبدأ ببناء ثقة ومصلحة جامعة، فما هي مصلحة الأفراد بالمشاركة إذا كان التعداد سوف يُساهم بقرار ترحيلهم؟ أمّا من الناحية التقنية، وهي عقبة حقيقيّة ولكن من المُمكن تخطيها عند وجود خطة مؤسّساتية، تتحاشى الوزارة النقاش أو الإضائة على حجم هذه المهمة. فمن المهم تطبيق المُمارسات الفضلى ومشاركة إدارة الإحصاء المركزي والبناء على خبراتها خاصةً وأنها تولت عملية إحصاء اللاجئين الفلسطنيين. فقد دلّت التجربة الحديثة في تعداد اللاجئين الفلسطنيين بأنّ العملية ليست سهلة وتتطلب جهدًا فنّي ووقت وإرادة سياسيّة بالعودة إلى الخطة تجدُر الإشارة إلى أن التلويح بتطبيق قانون الأجانب (١٩٦٢) على الذين لا يستوفون الشروط ينذر بسلسلة مخاطر. أولًا تبدو أن الحكومة تقرر العودة إلى الاتفاقيات الثنائية مع سوريا “بالمفرق”. عندما تساهم هذه الاتفاقيات بترحيل فئات معيّنة مثل انفاقية التعاون الأمنية، تعتمد الحكومة عليها، ولكن تنكر الاتفاقيات الاقتصادية التي تمنح المواطنين السوريين امتيازات واستثناءات من قانون الأجانب. وهذه الإشكاليّة تضيئ أيضًا على أهمية إعادة النظر في جميع التشريعات بما فيها قانون الأجانب بحيث أنها لا تستوفي معايير الهجرة الحديثة ولا التغيرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تختلف جذريًا عن تاريخ إبرامها التلويح بالترحيل استنادًا إلى قانون الأجانب ليس بالعصا السحريّة إذ لا يزال على السلطات اللّبنانية (بما فيها القضائية) التحقيق في أن عملية الترحيل هذه لا تتناقض مع التزامات لبنان من ناحية مناهضة الترحيل القسري ). حماية اللاجئين وطالبي اللجوء من الإعادة القسريّة تقع تحت الولاية القضائية للدولة المُضيفة. صكوك قانون حقوق الإنسان الدولي تحتوي على مجموعة من الالتزامات المُلزمة للبنان بما فيها عدم إعادة شخص إلى بلد ما حيث سيخضع للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية كما جاء في المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب. ولكن الخطة لم تدرس القدرات والإمكانيّات والموارد في المحاكم اللبنانية التي سوف تغرق في آلاف حالات إعادة التوطين التي سوف تنهك الجسم القضائي التعقيدات السياسيّة للعودة: حقيقة “المناطق الآمنة” د. كارمن جحا، أستاذة في العلوم الإداريّة في الجامعة الأميركية في بيروت من غير المُستغرب أن خطة العودة التي طرحتها وزارة الشؤون الاجتماعية والتي وافق عليها مجلس الوزراء في تموز ٢٠٢٠ ألّا تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات العودة ووجود وتأثيرات “المناطق الآمنة”. إنّ السياسة المَطروحة في ورقة السياسة العامّة التي تبنتها الحكومة مبنيّةٌ على الركائز الموجزة في الصفحة ٣، وتمثّل الركيزة الثانية المطروحة، القاضية بعدم ربط العودة بحلّ سياسي، معظم التوصيات والمشاريع التي تلخّصها ورقة السياسات هذه تظهر السياسة المُعتعمدة من خلال الطرح الذي تقدّمه هذه الورقة أن عودة اللاجئين لا توجب أي تسوية سياسيّة ويجب أن تحصل بغضّ النظر عن الوضع السياسي والأمني في سوريا لذلك، نحن نحذر من اعتماد مفهوم أن المناطق الآمنة واللاجئين وحدات متجانسة، ونحثّ مجلس الوزراء على التفريق الدقيق ووضع السياق لعودة اللاجئين، اعتمادًا على سبعة معايير تُعقّد وتهدّد عودتهم، منها ١ الخوف من التمييز الذي قد يواجهه (بعض) اللاجئين عند عودتهم (تقارير مُتواصلة عن عمليات خطف أو اختفاء بعض اللاجئين عند دخولهم إلى سوريا)؛ ٢. موقف المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول المناطق الآمنة داخل سوريا (لا يجب أن يكون النظام هو الجهة الوحيدة التي تُقرّر وتُحدّد ماهية الأمان)؛ ٣. يتعارض مفهوم كلّ من السلامة والأمن على الأراضي اللبنانية مع ما يمكن اعتباره “طوعيًا” لأن الكثيرين قد يهربون من لبنان خوفًا من الاضطهاد أو الفقر، إنّما سيواجهون ظروف أسوأ في سوريا؛ ٤. الظروف الاقتصادية والقانونية في سوريا، بالإضافة إلى سياسات النظام مثل التجنيد الإجباري للذكور البالغين أقلّ من ٤٢عامًا والمصادرة الهائلة للممتلكات خصوصًا في مناطق المعارضة حسب مرسوم رقم ٦٦ (٢٠١٢) وقانون رقم ١٠ (٢٠١٨)، تعوّق العودة الآمنة والمُستدامة. متطلّبات العودة الغائبة د. رُبى محيسن، مؤسّسة ومُديرة سوا للتنمية والإغاثة يُساهم إقرار الحُكومة اللّبنانية لــ “ورقة السّياسة العامّة لعودة النّازحين” في هذا التوقيت، في تشتيت الانتباه عن مسؤوليّتها في مُعالجة القضايا المُلحّة في الاقتصاد اللبناني. وفي حين تظهر هذه الخطة على أنّها تهدف إلى حماية كرامة اللاجئين السوريين في لبنان، إلّا أنّها تُمثّل عديدًا من التناقضات، كونها تتجاهل انهيار الاقتصاد والبنية التحتية وخاصةً القطاع الصحّي في سوريا. وفي ظلّ الدفع المُتزايد تجاه العودة وعدم استيفاء المتطلّبات المتعلّقة بالإسكان والأراضي والمُلكيّات في سوريا، تجدر إعادة النظر في القدرة على ضمان عودة طوعيّة، وآمنة، وكريمة في الفترة الرّاهنة، إضافةً إلى استدامة الحلول ما بعد العودة لا تطرق الورقة أيضًا إلى عتبات الحماية، وعلى الرغم من أنّها تُشير إلى إمكانيّة زيارة السّوريّين للبنان ما بعد عودتهم إلى سوريا، فإنَّهم يتلقّون “حرمانًا” من الدخول إليه فور مُغادرته. وتُحدّد الورقة أنَّ ٨٩٪ من السوريين يرغبون في العودة بحسب المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، لكنّها تغفل حقيقة أنَّ٨٥-٨٨٪ من السوريين يعتبرون أنّ شروط العودة من ظروف سياسيّة وأمنيّة، ليست مُستوفاة، بالرغم من رغبتهم في العودة. وحيث أنَّ السّياسة تحثُّ اللاجئين على العودة، وتُشير إلى مبدأ عدم الإعادة القسريّة، فمن المُهم أن نتذكّر أنّه بين ٢١ أيار و ٢٨ آب ٢٠١٩ ، أُعيد قسرًا حوالي ٣٠٠٠ لاجئ إلى سوريا من ناحيةٍ أخرى، تشكّل المنظمات السوريّة العاملة في لبنان والدولية منها عامل الأمان الأخير للاجئين السوريين. وبالتالي، فإنَّ تضييق الخناق على نشاطاتها قد يزيد من الدفع نحو العودة غير الطوعيّة وغير الآمنة. ورغم أنَّ هذه المُنظّمات تؤدّي دورًا أساسيًّا في تحمُّل أعباء أزمة اللجوء السوري في لبنان، فإنَّها لم تُدع للمشاركة في النقاشات المُمهّدة لوضع هذه الورقة السياسيّة. كما أنّ الورقة قد تُعيق تلقّي التمويل الذي يصبُّ في دعم سُبل عيش اللّاجئين، مع العلم أنّ هذه المُنظّمات تُعاني من قيود متزايدة على نشاطاتها وتُكافح من أجل سحب أموال مُساعدات اللاجئين من البنوك. وهنا يكمن تخوُّفٌ من أن يتمّ تسييس المسألة، كالتحكّم بسياسات التمويل، بطريقة لا تراعي أولويّات الاستجابة للّاجئين واحتياجاتهم الخطة الحكوميّة ومُحاولة القبض على الفضاء المدني زياد عبد الصمد، المُدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكوميّة العربية للتنمية أعربت الحكومة اللبنانية مؤخرًا من خلال “ورقة السياسة العامّة لعودة النّازحين” عن نيّتها فرض الرقابة على المنظّمات الدوليّة والجمعيات غير الحكومية الدولية والمحلية التي تعمل مع اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى فرض آليات يمرّ التمويل المخصّص للنازحين عبرها، وأفصحت عن نيّتها تحويل نصف المُساعدات المخصّصة للسوريين لتستفيد منها المُجتمعات المضيفة لقد مارست الدولة اللبنانية تمييزًا بحقّ اللاجئين، فاعتبرتهم نازحين كي لا تمنحهم صفة لاجئ خلافًا لما يضمنه القانون الدولي من حقوق. فحجبت عنهم مثلًا الحق في الحصول على الأوراق الثبوتيّة لحمايتهم من المُلاحقات القانونية، وكذلك الحق في التنظيم وتأسيس جمعيّات تُساهم في تنظيمهم وتمكينهم من مواجهة تحديات اللجوء كما تمكّنهم من التعاطي مع الدولة المُضيفة والمجتمع الدولي والجهات المانحة. مرّت تسعُ سنوات على بداية النزوح السوري دون اعتماد خطة عامّة تتضمن أهدافًا ومُقاربات واضحة لتدارك التداعيات السلبيّة والاستفادة من العناصر الإيجابيّة لوجود أكثر من مليون سوري في لبنان. لقد انقسمت مواقف لبنان حيال هذا الملف ما أهدر فرصًا للحصول على المُساعدات التي خصّصتها الجهات المانحة في “مؤتمرات لدعم مستقبل سوريا والمنطقة”. فأُرسلت معظمها من خلال منظمات الأمم المتحدة المعنية والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية التي قدمت كافّة أشكال الخدمات الرعائية والغذائية والتعليمية والتنموية بما فيها الحماية من الانتهاكات التي يتعرّضون لها. واستفادت المجتمعات المضيفة طيلة هذه السنوات. ويقدّر حجم المساعدات التي وصلت إلى لبنان لمساعدة اللاجئين منذ العام ٢٠١٣ بحوالي السبع مليارات دولار أميركي وتتمادى المُقاربة العدائيّة تجاه المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني بانتهاك الحقوق الدستوريّة والقوانين اللبنانية التي تحمي “حق كل فرد في التنظيم وتشكيل أو الانضمام إلى جمعية أو حزب أو نقابة والعمل بحريّة واستقلاليّة والوصول إلى الموارد المالية والبشرية للقيام بدوره”، كما تتجاهل الاتفاقيّات الدولية لاسيّما العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية التي التزم بها لبنان عام ١٩٧٢ والمادة ٢٢ منه، ما يعبّر بشكلٍ واضح عن تراجع الحريات العامّة في لبنان، وينذر بخطر يهدد عمل ووجود المنظمات والجمعيات المحلية والدولية ويضعف القدرة على الاستجابة للتحديات الإنسانية التي يفرضها ملف اللجوء السوري في لبنان إنّ الآراء الواردة في هذه المقالات تخصّ كاتبها حصرًا ولا تعكس رأي معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت Comments are closed.
|
Archives
July 2024
Categories |