زياد الصائغ | الجمعة، ١٧ أيّار/مايو ٢٠١٩ بعد ٧١ عامًا على نكبة فلسطين، والتي تسبّبت بإنشاء وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيّين (الأونروا) عام ١٩٤٩ بالاستناد إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (٣٠٢)، ثمّة من يعمل في حقيقة الأمر لإنهاء خدمات الوكالة. ولعلّ السبيل الأنسب بالنسبة لهؤلاء هو تقليص التمويل ثمّ قطعه كما فعلت الولايات المتحدة الأميركيّة، أو التمهيد لقطعه كما يتمّ الهمس هنا وهناك. بات استنزاف الأونروا هاجسًا في ظلّ انسداد أفق الحلّ السياسي في الشرق الأوسط، وازدادت المسألة تعقيدًا منذ العام ٢٠١١، بفعل مأساة اللّاجئين السورييّن. ورغم أنّ المفوضيّة السامية لشؤون اللّاجئين هي الجهة المسؤولة عن هؤلاء، فالأونروا معنية لأن مصادر التمويل واحدة تدور نقاشاتٌ واسعةٌ في الأروِقة الديبلوماسيّة حول مستقبل الأونروا، ولا تنحصر في مسألة التمويل. ويمسي الاستنزاف ثانويًا أمام التداعيات الإنسانيّة لِشحّ التمويل. لكنّ النقاشات أيضًا سياسيّة وترتبط بحقوق اللّاجئين الفلسطينييّن الأساسيّة التي تتخطّى الاستجابة الإغاثيّة، ومنحهم حقّهم في العودة. منذ الستينيّات بدأت محاولات لتجويف مهمّات الأونروا، وحصر مهامها بالإغاثة المباشرة. نجحت هذه المحاولات بالحدّ الأدنى في تعميم الاعتقاد أنّ “العودة” لن تتحقّق أبدًا، من المُفيد تاليًا أن يستمر دعم الأونروا لاعتبارات إنسانيّة محض. وجرى البحث عن سبل للضغط على اللّاجئين الفلسطينيّين وعلى الدُول المضيفة لبقائهم في الدول التي لجأوا إليها بشكلٍ دائمٍ، دون التعلّق بحلم بالعودة. على صعيدٍ آخرٍ، وعلى امتداد الخريطة العالميّة، باتت قضيّة اللّاجئين، كلّ اللّاجئين، والمهاجرين مسألة خلافيّة حادّة، واستطاع اليمين القومي استنفار مشاعر معادية للّاجئين. وصار الرأي العامّ أقل تقاطعًا مع اللّاجئين وراج القول بأن تتدبّر الدول التي اضطرّت لاستضافة هؤلاء أمرها. وتكرّر القول أن هؤلاء الذين هُجِّروا قسراً، ومنهم اللّاجئون الفلسطينيّون، هم مقيمون حيث لجأوا، ويجب دمجهم، ولا فائدة من التأكيد على حقهم بالعودة بعد ٧١ عامًا. أما الأونروا فباتت مرشّحة للاندماج بالمفوضيّة السامية لشؤون اللّاجئين، لأن يتم الاستغناء عن خدماتها بالكامل، عبر تأمين رزمة محفّزات ضخمة، لا تعود من بعدها الدول المانحة مُرغمة على توفير أموال لها على حساب مواطنيها
على مدى ٧١ عامًا ما زال اللّاجئون الفلسطينيّون، وعلى الرغم من معاناتهم والتحدّيات يصرّون على العودة إلى أرضهم، أيًّا يكن شكل العودة التي يطمحون إليها. حتى أولئك الذين اكتسبوا جنسيّات غربيّة، ما زالت فلسطين تعنيهم في الصميم. لكن أين الأونروا في كل هذا؟ ولِم هي مُستهدفة؟ الإجابة جليّةٌ في أن الأونروا هي تعبيرٌ أممي عن الاعتراف الدولي بأحقيّة وعدالة قضيّة اللّاجئين الفلسطينيّين السياسيّة. وهنا بيت القصيد بالاستناد إلى كل ما سبق يُقتضى من الأمم المتحدة، وعلى رأسها اليوم أنطونيو غوتيريس العارِف بأوضاع اللّاجئين، أن تبحث في قضايا ثلاثة أساسيّة في بُنية الأونروا، وهي أوّلًا الانتقال من العمل الإغاثي إلى العمل التنموي، وثانيًا الترشيق البيروقراطي، وثالثًا التأكيد على الجوهر السياسي الذي يحكُم قضيّة اللّاجئين الفلسطينيّين الأونروا من الإغاثي إلى التنموي - في كل المخيّمات التي تحتضن لاجئين فلسطينيّين ثمّة مقوّمات لبناء اقتصاد محليّ. هذا المسار بقدرٍ ما يوفّر الصمود حتى العودة يحقق أيضًا أمرين بنيويين. أوّلهما تخفيف الضغط عن موازنة الخدمات الإغاثيّة لصالح خدماتٍ تنمويّة، في مقدّمها التربوي والتدريبي والمهني. وثانيهما توفير شبكة أمان بوجه اختراقاتٍ تمويليّة مشبوهة لمجتمعات اللّاجئين لا تمتّ بصلة إلى قضيتهم. البرنامج الإغاثي يقتضي تعديلًا في الرؤية والمنهجيّة الأونروا والترشيق البيروقراطي - واضحٌ أن الاستثمار الدَّولي في الأونروا يخضع أيضًا لأولويّة الإبقاء على العنصر الغربي في المراكز المتقدّمة. في هذا تعبيرٌ عن إلتزام جدّي بقضيّة اللّاجئين الفلسطينيّين العادلة، لكن من المفيد القيام بترشيق للاحتياجات البيروقراطيّة، مع أهمية الإبقاء على تناغمٍ في الخيارات الاستراتيجية في كل مفاصل هذه المؤسّسة التي يعمل فيها حوالي ٣٠٫٠٠٠ موظّف، وتستجيب لحاجات حوالي ٤.٦٥ مليون لاجئ الأونروا شاهِدة عادلة للعودة- قضيّة اللّاجئين الفلسطينيّين سياسيّة بامتياز. فإنّ تحويلها إلى قضيّة إنسانيّة فقط يضرّ بها. أهميّة الأونروا تتمثّل بأنّها حفظت في طياتها هويّة هذه القضيّة على الصعيد الفردي والجماعي. ومن من المحتمل أن تؤدّي إلى تكوين لوبي ضاغط لإيجاد حلول مستدامة أكثر منه ترقيعيّة وقتيّة. حجر الزاوية في هذه الحلول حقّ العودة. هذا اللّوبي الضاغط مُمكن أن يكوّنه آلاف ممّن تركوا دولهم للعمل في الأونروا، وهم يفهمون حجم المأساة. ديبلوماسيّة الأونروا أساسٌ لتجاوز خطر اغتيال هويّة هذه المؤسسة ما تواجِهُه الأونروا خطير. وما يواجهه اللّاجئون الفلسطينيّون أشدّ خطورة. السلاح الأمضى بناء سياسة عامّة مستدامة أحد أوجهها استعادة فاعليّة الأونروا للدفع باتجاه وقف المأساة بدل الاكتفاء ببلسمة الجراح زياد الصائغ، خبير في السياسات العامّة واللّاجئين ينشر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت أسبوعيًا سلسلة من المقالات حول مواضيع مختلفة متعلّقة بالسياسات العامة والمرتبطة بالأبحاث والإنتاج الفكري الذي يصدره المعهد. تهدف هذه المقالات إلى تحليل الوضع القائم والبناء عليه لتقديم اقتراحات عملية للعام 2019 قد تُلهم صناع السياسات وأصحاب القرار والمهتمين بإيجاد حلول للأزمات القائمة وسبل للتطوّر والتقدّم في مجالات مختلفة إنّ الآراء الواردة في هذه المقالات تخصّ كاتبها حصرًا ولا تعكس رأي معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت Comments are closed.
|
Archives
December 2024
Categories |