زياد الصائغ | الجمعة، ٢١ شباط ٢٠٢٠ أنَّ إنجاز حلّ مُستدام للصّراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وبالتالي العربي – الإسرائيلي، لن يقوم إلّا على أساس العدل. ليست جديدة ولا مستجَدّة صَفقة القرن التي أُثير حَولها الكثير من علامات الاستفهام. الجديد هو المبادرة الاقتصاديّة – الاستثماريّة العقاريَّة، والتحفيزيّة – التعويضيّة تمويليًّا، التي تنسجم مع مساراتٍ أُخرى بدأت في أوّل الخمسينيّات حين أسقط العرب القرار ١٨١ القاضي بتقسيم فلسطين، فيما تمسكوا بالقرار ١٩٤ القاضي بعودة اللاَّجئين والتعويض لهم. وتطغى الأهمية الشكلية لهذين القرارين طاغية على إمكانية تحقيقهما كونهما صادران عن الجمعيَّة العامَّة للأمم المتَّحدة. ويبقى السلام خيار وليس صفقة، ومن الواضح أن إسرائيل لا تريد السلام، وان ما قام به ترامب ونتنياهو ليس أكثر من استعراضٍ فولكلوريّ صفقة القرن أثبتت أن الصِّراع في فلسطين وجودي، ولا يقتضِ تسخيفه حدوديَّاً، وأعادت فتح باب النقاش حول مخاطر توطين اللاَّجئين الفلسطينيين ١- اللاجئون الفلسطينيّون و”مشاريع التوطين” و”الاستيطان” منذ بدأت العصابات الصهيونية التطهير العنصري بحق الفلسطينيين في أواسط الأربعينيَّات، استحدث قادتها ومنظرّوها مفهومين متكاملين هما “منع العودة” للفلسطينيين وتسويق “حق العودة” لليهود، مما كرّس معادلة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. أُرفقت هذه المعادلة بمشاريع متوالية تحفّز الاستثمار الأيديولوجي في صندوق استيطاني، كما طُرح إنشاء “صندوق تعويضي” على من سيهجّرون بأموال دولية، ليتم إطلاق فكرة التعويض على اليهود الوافدين الى اسرائيل من الدول العربية بصندوقٍ خاص مؤخراً. وتوالت مشاريع مثل “غوردن كلاب”، و”بلاندفورد”، و”مستركين”، و”وكالة الغوث لنقل اللاجئين إلى ليبيا”، و”جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأميركية لتوطين اللاجئين”، و”إريك جونسون”، و”باروخ”، و”همرشولد”، و”جوزف جونسون” وغيرها. لم تؤدي هذه المشاريع إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين بمعنى تجنيسهم في دول جوار فلسطين المحتلة، بقدر ما أثقلت كاهل هذه الدول، كما أساءت إلى حالة اللاجئين الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأمنيّة، خصوصًا في لبنان حيث شابت العلاقة مع اللاجئين الفلسطينيين على مدى ٣٦ عامًا (١٩٦٣ – ٢٠٠٥) تشوّهات بنيوية. وعانى لبنان ما عاناه قبل انطلاق ترميم الذاكرتين اللبنانية والفلسطينية منذ العام ٢٠٠٥ مع تشكيل لجنة الحوار اللُّبناني-الفلسطيني لدى رئاسة مجلس الوزراء ٢- اللاجئون الفلسطينيّون: مسارات تفاوضيّة بين ١٩٩١-١٩٩٧ عقد فريق عمل اللاجئين الفلسطينيين سلسلة اجتماعات تفكير، وتأسس من خلاله عام ١٩٩٥، وبعد اتفاق أوسلو (١٩٩٣) جسم تفاوضي ثابت طُرحت فيه وثائق مثل “بيلين- أبو مازن”، و”مسار أوتاوا”. وكانت إشارة واضحة في هاتين الوثيقتين إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى “دولة فلسطين” (الضفة – قطاع غزة) مع الدفع في اتجاه إقرار إسرائيل بمبدأ لمّ الشمل ضمن الأراضي المحتلة، والعودة الرمزيَّة، إلى تداول إمكان إنشاء “هيئة دولية للاجئين الفلسطينيين”. ثم برزت “قناة استوكهولم” (٢٠٠٠) بتسهيل سويدي والتزام أميركي لبناء سيناريوات، واكبها، منذ ذاك وحتى ٢٠٠٣، دراسات قام بها خبراء في البنك الدولي برعاية الإدارة الأميركية لتقدير أحجام التعويضات المترتبة لحل نهائي لهذه القضية لم يُسقط منطق التعويض حق العودة بالكامل، بل إن الرئيس الأميركي بيل كلينتون، طرح سيناريوات أربعة في “كمب ديفيد”: العودة إلى “إسرائيل” (لمّ الشمل)، العودة إلى الضفة وقطاع غزة، الانتقال إختياريًا الى بلد ثالث، البقاء اختياريًا حيث هم. كما أطلق الرئيس الأميركي حينها ما لم يصب العرب عليه جهودهم على الصعيدين الإعلامي والديبلوماسي، معادلة “دولة فلسطين هي أرض الشعب الفلسطيني، واسرائيل هي أرض الشعب اليهودي”. في هذه المفاوضات طرح حق التعويض لليهود ليسحب من التداول في مفاوضات طابا (٢٠٠١). في جولة طابا نوقشت خصوصية لبنان، وطُرحت فكرة عودة ٢٥ ألف من اللاجئين كل ٣ سنوات على مدى ١٥ عاماً، ما يعادل ١٢٥ ألف. لكن اعتبر هذا الطرح غير عادل كونه يجزئ حق العودة، إلا أنه كان من الممكن الدفع نحو استكمال العدد بالكامل مع الضغط لإنشاء دولة فلسطين. لكن لم يسمح للبنان حينها ان يفاوض أو أن يتحرك ديبلوماسيًا بعد طابا أتت مبادرة السلام العربية (٢٠٠٢)، فـ”خريطة الطريق” (٢٠٠٢) لتطغى على معادلة “إيجاد حل سليم وعادل وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين”، في ظل انطلاق محاولات غير رسمية لتظهير رؤى حل. فكانت وثائق “صوت الناس” (٢٠٠٢)، و”جنيف” (٢٠٠٣)، وفريق حيث بنيت نظرية الحل الاقتصادي للاجئين. في انابوليس أهملت القضية وكان بحسب مرجع رسمي لبناني، صوت لبنان فيها عاليا كما الفاتيكان، اذ تمحورت النقاشات حول الحدود والاستيطان والامن في هذا السياق ثمّة تساؤل هل يقوم رفض لبنان لأي شكل من أشكال التوطين المباشر او المقنّع، انطلاقاً من خوف على ديموغرافيته وتوازناته الطائفية؟ او لقناعته بأن أي طرح لإبقاء الشتات الفلسطيني ودمجه بالمجتمعات التي هجّر اليها اغتيال لهويته بداية، ونحر للعدالة الدولية ثانياً، بما ينهي بالكامل أي إمكان تجنيب التاريخ مجازر مماثلة لبنان يرفض التَّوطين ويدعم حقّ العودة وبالتالي يجب التفكيك المنهجي لمندرجات هذا الرفض على المستوى السياسي، والسيادي، والسوسيو-إقتصادي، والشراكة المسيحيَّة الإسلاميَّة، والديبلوماسي أولًا، هناك إجماع لبناني على رفض التوطين وهو مكُرِّس في الدستور اللبناني. لهذا فإذا كان الموضوع الديموغرافي هو الهاجس الذي يظهر اليوم باعتبار طرح صفقة القرن هو عبارة عن “توطينًا مقنَّعًا”، هناك هاجس آخر، وهو إمكان فرض أمر واقِع خارج سياق الشرعيَّة الدوليَّة والشرعيَّة السياديَّة لذلك على لبنان، كونه عضو مؤسس في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ومساهم في صوغ شرعة حقوق الإنسان، أن يتمسك بحزم بحق اللاجئين الفلسطينيين المشروع بالعودة وقيام دولة فلسطينية ثانيًا، لا مناص من استعادة الدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها بما فيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين من منطلق واجباتها في تأمين البيئة الآمنة لهم حتى عودتهم ثالثًا، تتحمل إسرائيل مسؤولية معاناة اللاجئين الفلسطينيين بتهجيرهم واغتصاب أرضهم. كما يتحمل المجتمع الدولي استمرار هذه المعاناة منذ ٧٢ عامًا، وهو يشهد ممارسات إسرائيل التي تمنع الفلسطينيين من العودة إلى بلدهم، ناهيك عن محاذير اغتيال هويتهم وتشتيتهم، ومحاولة تسويق مشاريع دمجهم اقتصاديًا في المجتمعات التي لجأوا إليها. ان لبنان الصغير المساحة، الكثيف الديموغرافيا، والمترهل تحت أعباء ديون متراكمة غير قادر على توفير حياة كريمة لهم، ناهيك عن قناعته الراسخة بأن على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته كاملة تجاههم من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – “الأونروا” رابعًا، كثرت المقاربات الدولية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وتفاوتت تفسيرات القانون الدولي لوضعهم. فبينما تسعى إسرائيل إلى تصفية حق اللاجئين بالعودة، يتمسك الفلسطينيون بهذا الحق. ولبنان الرافض للتوطين متمسك بالقرار (١٩٤) القاضي بالعودة مع التعويض، وارتباط هذا القرار بالقرار رقم (٣٢٣٦) القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها. وقد فسّر الخبير في القانون الدولي أنطونيو كاسيس أن في هذا الإرتباط جوهر الكباش في القانون الدولي مع نظريات “خيارات العودة” إذ إن هذا القرار، بحسب كاسيس، نقل العودة من الفردية إلى الجماعة، ويتوافق معه في ذلك الخبير في القانون الدولي لكس تاكنبرغ الذي أكّد على الحق بالعودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية ذات السيادة مشددًا في مؤلفه حول وضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي (١٩٩٥) على أن حق العودة مشتق من لا شرعية الطرد نفسه، فمن المعترف به أن لا دولة قادرة شرعًا على طرد سكان تحت سيطرتها. وعليه فالذين طردوا لهم الحق في أن يعودوا إلى وطنهم وإنطلاقاً من كُلّ ما سبق يجب على لبنان انتهاج مسارين لمواجهة “التَّوطين” وتزخيم دعم “حق العودة” أوَّلهُما تفكيك الدوغماتيَّات الهشَّة، وثانيهما التِزام الديبلوماسيَّة الهجوميَّة ١- تفكيك الدوغماتيات الهشّة الديبلوماسية الهجومية تضمن “حق العودة”. لا علاقة للسلاح، أي سلاح، غير ذاك الممسكة به الشرعية اللبنانية، بـ”حق العودة”، أو ربما بـ”حقوق أخرى”. فان استصدار شرعنة وجودية لسلاح وتأبيد منظومته انطلاقاً من “رفض التوطين” يحتمل المساءلة في كيفية مساهمته بدعم حق العودة قد نشهد في الأيام والأسابيع المقبلة بعض اندفاعات حماسية، أو متهورة، أو تكتيكية، أو توظيفية، لكن دعم حق العودة ينتجه الفعل الهادئ، والرصين، والرؤيوي والسياساتي المتكامل، في تواصل مع مواقع القرار لإقناعها، بأهمية وقدسية هذا الحق ٢- الديبلوماسية الهجومية إن الحكومة اللبنانيّة مدعوّة الى بلورة تصوّر لدعم حق العودة من خلال ديبلوماسية هجومية مرتبطة حتمًا بالاستراتيجية الدفاعية. ومن أجل تحقيق هذا التصوّر يجب تشكيل فريق عمل متخصص يتواصل مع مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، ورجال الأعمال وغيرهم من المعنيين ومن الممكن الاستعانة بملايين المهاجرين والمتحدّرين من أصول لبنانية. على هذه الديبلوماسية الهجومية أن تنسّق مع الشرعية الفلسطينية وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، وتسمعهم ما يريد لبنان ويناضل من أجله، وعدم الاكتفاء فقط بالإصغاء الى ما هم يتطلعون إليه. المبادرة اللبنانية باتت ملحّة فعلاً لا قولاً. وهذا ما يقتضي إعداد ملف تفاوضي متكامل يبدأ بالداتا، ويمر بالحجج القانونية لعودة اللاجئ إلى دياره، ويختم بتقدير التعويضات التي يستحقها لبنان عن الاجتياحات الإسرائيلية والعدوان التي نتجت عن هذا التواجد القسري على أرضه. كل ذلك تحت سقف قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام. أما الاكتفاء بترداد المبادئ، او تحصينها فقط داخلياً، دون مبادرات في السياسة الخارجية، فمن المرجّح أنه يستجلب عطفاً أكثر منه تبنياً لعدالة مرتجاة لبنانياً، وفلسطينياً، وعربياً، ودولياً زياد الصائغ، زميل باحث في السياسات في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت ينشر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت أسبوعيًا سلسلة من المقالات حول مواضيع مختلفة متعلّقة بالسياسات العامة والمرتبطة بالأبحاث والإنتاج الفكري الذي يصدره المعهد. تهدف هذه المقالات إلى تحليل الوضع القائم والبناء عليه لتقديم اقتراحات عملية للعام ٢٠٢٠ قد تُلهم صناع السياسات وأصحاب القرار والمهتمين بإيجاد حلول للأزمات القائمة وسبل للتطوّر والتقدّم في مجالات مختلفة إنّ الآراء الواردة في هذه المقالات تخصّ كاتبها حصرًا ولا تعكس رأي معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت Comments are closed.
|
Archives
July 2024
Categories |